الخريطه

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى منوع للمواضيع العامه


    آخر لحظات في حياته

    avatar
    shooter1000


    المساهمات : 9
    تاريخ التسجيل : 25/06/2010
    الموقع : In THe Kingdom Saudia Arabia

    آخر لحظات في حياته Empty آخر لحظات في حياته

    مُساهمة  shooter1000 الجمعة يونيو 25, 2010 6:22 pm



    قرات هذه القصه لكاتب اماراتي في جريدة الوطن السعوديه واحببت ان انقلها لكم




    آخر لحظات في حياته


    عاد من العمل متأخراً، دخل بيته واحتضن أطفاله، وبعد أن أودعتهم أمهم غرفتهم عادت لتسأله عن يومه. وفي منتصف حديثهما أحس بغثيان وألم شديد في رأسه، فذهب ليتناول حبة مسكنة لكي تخفف هذا الألم المفاجئ، وإذا بزوجته تسمع ضجة في الغرفة. هرعت إليه فوجدته ملقى على الأرض مغشياً عليه.
    بعد ساعات في المستشفى جاءها الطبيب منكسا رأسه وقال لها:"زوجك يعاني من سرطان في المخ" فسقطت هي الأخرى مغشياً عليها. وعندما استيقظت وتذكرت ما مر بها خلال الساعات الأخيرة ظنت أنها كانت تحلم، ولكن عندما رأت (بعض) أفراد أسرتها ملتفين حول سريرها يبكون أيقنت أن الكابوس أصبح حقيقة.
    لم تستطع أن تستوعب الصدمة التي نزلت عليها مثل الصاعقة، فبالأمس كان زوجها يداعب أطفاله ويضحك معهم، وقبل أيام حجز لأسرته رحلة سياحية لقضاء الصيف، وقبل أسبوع اشترى سيارة جديدة كان يحلم بها منذ كان طفلاً... وقبل أسبوع أيضاً وعدها أن يمارس الرياضة وينتبه لنفسه. فلقد أصابته حمى قبل مدة ورمته طريحاً في الفراش لأكثر من أسبوع، وعلى الرغم من أن طبيبه لم يعرف سبب الحمى إلا أنه أكد له بأنها ردة فعل طبيعية من الجسم تجاه ضغوطات العمل التي يتعرض لها. وبعد أن رحلت الحمى - غير بعيد - وعد زوجته بأن يعمل خلال ساعات العمل فقط، وأن يأكل ثلاث وجبات في اليوم وأن يحافظ على ممارسة الرياضة كل يوم... وعدها بأن يعود إنساناً مثلما كان، فبعد أن سلبته الحياة إنسانيته ومنحته مقابل ذلك مادياتها التي لا تنتهي، انتبه أنه لا يعرف كم عمر أحد أبنائه، وعندما سُئل مرة عن اسم الفصل الذي تدرس به ابنته فوجئ بأنه لا يعرفه... بل فوجئ أكثر عندما حاول أن يتذكر اسم مدرسة ابنته فلم يستطع.
    استيقظ بعد أيام في المستشفى ورأى زوجته تبكي، وعندما أخبروه بأن حالته المرضية متأخرة جداً بكى هو أيضاً... بكي حتى ابتل سريره وابتلت معه ثياب زوجته التي لم تستطع أن تكف عن الموت معه في كل لحظة. أرسل الأطباء تقاريره إلى أحد المستشفيات العالمية وجاء الجواب:"ليبقى في بلده، فموته لن يتأخر" عندها صارحه الطبيب قائلاً:"أستطيع أن أخدعك وأقول لك بأن هناك أملا، ولكن واجبي يحتم علي أن أخبرك بالحقيقة... ستدخل في غيبوبة خلال الأسابيع المقبلة، ومن ثم ستموت لأن المرض قد استفحل في جسدك ولم تعد هناك فائدة من الأدوية... سنكتفي بالمسكنات حتى يحين الوقت، أنا متأسف" وأشاح بوجهه وعيناه تفيض بالدموع. هو لا يعرفه، ولكنها لحظة إنسانية تجردنا من جميع أقنعة الحياة وتجبرنا على التعامل معها وكأننا أطفال كبار.
    في نيوزيلندا تقدّر إحصائيات دائرة العمّال إصابة الموظفين بأمراض مزمنة وخطيرة بحوالي 20000 إصابة كل عام، منها 1000 إصابة بأمراض السرطان، كسرطان الرئة والدم وغيرها، حيث يكون مصير ما نسبته 40% من هذه الحالات الوفاة، والسبب الرئيسي هو ضغط العمل. وعلى الرغم من أن نيوزيلندا وغيرها من الدول تحاول جاهدة أن تقلل من خطر ضغوطات العمل على أبنائها إلا أن جميع تلك الجهود تعد زوبعة في فنجان، فنمط الحياة الجديدة، السريعة المندفعة، ومتطلبات المنافسة العالمية المحتدمة ليست بين الدول والشركات فقط، بل وبين الأفراد أيضاً، فرضت نفسها كلاعب رئيسي في حياة الناس والشعوب. إن حياتنا لم تعد ملكاً لنا، فلقد أصبحنا نعيش من أجل المستقبل، ذلك البعيد الذي قد لا نصل إليه، وإن وصلنا إليه فقد لا نراه.
    كل يوم يستيقظ صديقنا من نومه وهو يفكر في الموت ويتذكر جميع تفاصيل حياته. تذكر أنه لم يتبضع من الجمعية التعاونية منذ سنوات، وحاول أن يتذكر اسم إمام المسجد الذي كان يصلي به ولكنه لم يستطع. تذكر أنه لم يعد يرى أمه وأباه كل يوم كما جرت عليه العادة، بل إنه لم ير أمه منذ ثلاثة أشهر لانشغاله بالسفر وبأعباء الوظيفة، تمنى في تلك اللحظة لو أنه يراها فيبكي عند قدميها ليشفي غليله من الأيام التي أنسته حتى رائحة عباءتها العبقة ببخور الماضي وبطمأنينة الحاضر.
    كل يوم يمر عليه يعي قيمة الأشياء من حوله، ويعي تفاهة الأشياء أيضاً. كان يتمنى أن يقود سيارة ما وهاهو يحقق حلمه، ولكنه نسي أن يتمنى ألا يطغى حب الأشياء في قلبه على حب الأشخاص. كلما أراد أن يكتب وصيته يتذكر أنه مازال في مقتبل العمر، ويتذكر الحكمة التي تقول إن موت الشباب كسفينة تتحطم وموت الشيوخ كسفينة ترسو في الميناء... وها هو جالس في غرفة هادئة مظلمة كسفينة تتحطم في الميناء... دون أن تثير موجاً أو حتى تحرك ساكناً.
    تذكر مرة قول المتنبي: وإذا لم يكن من الموت بدّ، فمِنَ العار أن تموتَ جبانا... ولكنه لا يعرف هل سيذكره الناس من بعده أم إنه سينتهي جباناً كما تنتهي الشاة، وسيبقى مجرد اسم بارد ُكِشطَ باللون الأحمر من دفتر العائلة والسبب "الوفاة".
    تذكر أن سقراط عندما عرض عليه حارس السجن أن يهرّبه رفض وقال لأصحابه:"قولوا أنكم توارون في التراب جسدي فقط" فكيف يتخلّى عن أفكاره وهو الذي صارع من أجلها طوال حياته لتبقى بعد مماته، وتمنى لو كان ذلك الحارس على الأقل، الذي بفضل سقراط ذكر في كتب التاريخ.
    تذكر جميع مشاريعه وإنجازاته... جميع اجتماعاته وصفقاته... جميع كلماته وخطاباته، وأيقن أنه لا أحد سيتذكرها، وكل ما قد يقوله الناس:"رحمه الله"... وحتى هذه قد يحجم بعض الذين ظلمهم في العمل عن لفظها، وقد يستكثرها عليه من كان ينافسه على منصب أو صفقة.
    صحيح أن الموت يفتح باب الشهرة ويغلق باب الحسد كما تقول الحكمة، ولكنها حكمة للعظماء فقط، وهو بعيد كل البعد عن العظمة، وعن الحكمة أيضاً. عرف أنه في الساعات القليلة المتبقية من عمره لن يستطيع أن يحقق شيئاً عظيماً، وبالتالي لن يستطيع أن يقول كما قال (كونفيشيوس) قبل أن يسلم وجهه:"لقد علّمت البشر كيف يعيشون" وعلم أن نهايته لن تتوج أعماله كما قال (شكسبير) وما زاد طينته بلّة أنه تذكر أنه سيرحل من هذه الدنيا وهو مديون لشركة السيارات.
    في آخر لحظات حياته طلب من أمّه أن تكون إلى جانبه مثلما كانت إلى جانبه حينما ولد... وطلب من أبيه عندما يسمع آخر تأوّه له أن يفرق صدقة على الممرضات مثلما فعل عندما سمع أول صرخة له... وطلب أيضاً من زوجته أن تخبره عن اسم الفصل الذي تدرس فيه ابنته.

      الوقت/التاريخ الآن هو الأربعاء مايو 15, 2024 7:15 pm